أقلام ودفاتر لا مكانس وعربات .. ابراهيم وغفران أطفال لا عمال نظافة
أطراف مرتعشة برداً، عيون مكسورة ظلماًَ، وجوه كالحة من الحرمان، رؤوس صغيرة مطأطأة لتلتقط القمامة المرمية على أطراف شوارع مدينة التل، هما الطفلان غفران 11 عاما وابراهيم 12 عاما اللذان كانا “يعملان” كعمال نظافة في شوارع المدينة.
ويروي مفوض جمعية “نور” في التل عبد اللطيف البني، الذي أثار قضية الطفلين، أنه لم يصدق عينيه حينما شاهد طفلين يرتجفان بردا في شوارع مدينته يعملون كعمال نظافة إلى جانب أشخاص بالغين، والمفاجأة الأكبر كانت أن الطفلين ليسا من التل بل من قرية خربة الورد التي تبعد أكثر من 20 كم عن المدينة.
ويتابع مفوض جمعية “نور” في التل:
“تفاجئت برؤية الطفلين في ساعة مبكرة جدا من الصباح، في درجة حرارة تقارب الصفر، وبرد ينخر في أجسام “المسمكين لبس”، فكيف بأطفال في صقيع المدينة، استبدلوا أقلامهم ودفاترهم بمكانس وعربات قمامة”.
وبصوت منكسر، تقول الطفلة غفران:
“بتمنى ارجع على مدرستي، بس بدنا نعيش أنا وعيلتي، إذا اشتغلنا أحسن ما نموت جوع”، مضيفةً “البابا ما فيو يشتغل لأنو مريض”.
ويشاطرها الرأي أخوها الأكبر ابراهيم، الذي يرى نفسه في عمر الـ 12 عاماً “رجال البيت” ومسؤول عن إطعام عائلته، ويقول، بنبرة متشبهة بمن هم أكبر سنا منه، “بتمنى كمل تعليمي أكيد، بس ما فيني هلق، وإلنا كم شهر عم نشتغل والحمدلله مستورة”.
ويعقب البني قائلاً:
“أثرت القضية على صفحتي الشخصية، وعلى عدة وسائل اعلامية، وقدمت شكوى رسمية في النيابة العامة ضد من شغل هؤلاء الأطفال، والدعوى أخذت مجراها في القضاء ضد المتعهد والبلدية بتهمة تشغيل أطفال قاصرين”، مردفاً “هيك شغلات ما بيصير ينسكت عنها ولا بأي طريقة”.
فيما يبين والد الطفلين أن أحد الأشخاص، معروف باسم “أبو جمعة”، له صلة بمتعهد يعمل مع مجلس مدينة التل، هو من اقترح تشغيل أطفاله، مضيفاً:
“أنا معي مرض قلب وعامل أكتر من عملية وما قادر اشتغل وطعميهم”، مردفا “ألف ليرة باليوم أحسن ما يجوعوا”.
وأوضح البني أن “المتعهد الذي شغل هؤلاء الأطفال، وبعد إثارة القصة ورفع الدعوى، أنكر وجودهم عندما واجهناه، ولكن أحد العمال أكد لنا أنه تم صرف الأطفال من العمل مباشرة، كما أكد وجود أطفال آخرين.
واستدرك البني “لأن أهل الخير كتار، تكفل أحد أبناء المدينة لصالح حملة “من إيدك أحلى” في الجمعية بالقرطاسية والملابس المدرسية للطفلين لتأمين عودتهما للمدرسة”.
جمعية “نور”، التي تعنى ببناء بيئة آمنة وسليمة للطفل،وتعمل وتشجع على احترام حق الطفل في التعليم، أخذت على عاتقها مهمتين، الأولى إعادة الطفلين ابراهيم وغفران لمكانهما الطبيعي في المدرسة بشكل فوري، والثاني العمل مع محامين ومؤسسات الدولة لتغيير القانون الذي يحاسب بغرامة تصل في حدها الأعلى لـ 2000 ليرة سورية فقط على من يشغل أطفال تحت السن القانوني.
يذكر أنه وفي العام 2002 أصدر الرئيس بشار الأسد المرسوم الجمهوري الرقم 379 الذي انضمت بموجبه سوريا إلى البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل، الذي يمنع منعاً باتاً تشغيل الأطفال تحت سن 15، ويضع ضوابط محددة وواضحة على تشغيل الأطفال بين 15 و 18.