حلم V.S قبلة
كنت في السابعة عشر عندما قررت الحديث مع ناشر لأسأله عن كتاب لم أجده في المكتبات، وبشكلٍ مفاجئ كان مهتماً بما أبحث عنه واقترح لي بعض العناوين المشابهة وتأسّف لكونه ليس هنا ليعطيني الكتب، لكنه قرر أن يجعلني أطّلع على بعض القصائد غير المنشورة بعد سراً. أخبرته بأني كنت أحلم دوماً في أن أعمل في دار للنشر، وأن أرى كل تلك المخطوطات قبل أن تحصل على أغلفتها. وعدني بأنه سيمنحني هذه الفرصة يوماً ما، وقال لي بأنني أمتلك ما يلزم.
لم أستغرب ما الذي يجعل رجلاً عجوزاً يحادث مراهقة كل يوم ويخبرها عن مغامراته وسفرياته، كان الجواب بسيطاً وواضحاً بالنسبة إلي: يريد أن يجعل الجيل الجديد يهتم بالكتب كما كانوا يفعلون. كانت هذه فكرة يتم تلقينها في المدارس، نحن جيل لا يهتم بالثقافة ومن يفعل ذلك منا فهو معجزة يفرحون بها. وجد الناشر العجوز ضالته وأنا وجدت معلماً وبداية لتحقيق أحد أحلام الطفولة.
في إحدى المرات أرسل لي قصيدة من كتابته، لم أفهمها حقاً، لكني خجلت من قول ذلك فقلت أنها جميلة، وفكّرت في أنه شاعر كبير أكبر من فهمي. أجبرت نفسي قليلاً على قراءتها مجدداً لأحاول فهمها، وما إن انتهيت من المحاولة الفاشلة وجدته قد أرسل جملة: “أعطني قبلة”.
ارتبكت، ولم أرد أن أصدق أفكاري. عدت للفكرة القديمة حول كبار السن، ما الذي يجعل رجلاً في سنه يطلب قبلة من فتاة في عمري؟ لابدّ أنني مخطئة! حاولت أن أستفسر، ضحكت وسألته أيّ قبلة؟ كيف أعطيه قبلة ولماذا؟ قال أنه يريد قبلة فحسب. كررت سؤالي ولم أفهم كيف يريد قبلة على الانترنت؟ ولماذا؟ لكنه كان مصراً، شرح بأن القبلة يمكن أن تكون خيالية، ثم قال كلاماً غير مفهوم عن الخيال والحب. عندها فهمت، كدت أن أتقيأ، آلمتني معدتي وأنا أفكر في هذا العجوز يحاول تقبيل فتاة في عمر ابنه. لم أرد، قمت بحظره وبكيت. في ذلك الوقت فهمت بالطريقة الصعبة أن العجائز بائعو الأحلام يمكنهم أن يكونوا متحرشين، لن يمنعهم سنهم من ذلك.
تكلمت مع صديق حول الأمر فأخبرني بأن لديه صديقة تعرضت للموقف نفسه، سألها الناشر العجوز عن لون ثيابها الداخلية. كان يتعامل مع أي فتاة صغيرة يرسل لها بعض القصائد كعاهرة. قصيدة مقابل الجنس الالكتروني!
الآن وبعد عشرة سنوات على الحادثة أندم على عدم فضحه وأنا أراه في معارض الكتب حول العالم متفاخراً بدار النشر التي يمتلكها وبثقافته وعلاقته مع كل الكتاب العرب الكبار. هل يمكنني أن أفعل الآن؟ فقدت الدليل، وستكون قضية خاسرة، سيقفون معه، سيتساءلون ما الذي قد يجعل رجلاً مثله يفعل هذا؟ إنه كبير في السن ومثقف ولديه اسم يخاف عليه
ماذا لو أعلنت عن اسمه في هذه المدونة؟ ستقوم دنيا الكتّاب ولا تقعد وسترفع قضية تشهير ضد المدونة. لا أندم على شيء بقدر ما أندم على فقداني للدليل، كنت سأنقذ الفتيات الصغيرات اللواتي يرغبن في القراءة من انتهاك لأجسادهن أو حتى خيالاتهن! كنت سأنقذ المكتبات من أن تتحول إلى مواخير تباع فيها النساء مقابل تذكرة إلى عالم الكتب.
لكن في عالم كهذا لست واثقة حتى لو امتلكت الدليل، ستقوم حملة ضدي تتهمني بإغوائه واستغلاله للوصول، فما الذي يجعل صوتي مسموعاً؟ صوتي الهش الحالم مقابل أصواتهم التي ترتدي البدلات الرسمية!
لدي حلم آخر الآن؛ طريق برتقالي يصلنا إلى عالم لا قيمة فيه للاعتبارات الشخصية والاجتماعية، عالم يمكننا أن نشهر أصابعنا عليهم فيه دون أن تُقطع.
غنى سالم (اسم مستعار)