عندما تخيلت أني امرأة قوية.. وكنت
تخيلت أني قد أصبحت امرأة قوية بما يكفي، درست باجتهاد، حصلت على إجازة جامعية، اتبعت العديد من الدورات التدريبية في مجالات مختلفة، قرأت كثيرا، عملت و تطوعت في العديد من النشاطات واكتسبت خبرات متنوعة أهلتني لأحصل على عمل جيد في شركة مرموقة.
وتدرجت بعدها في المناصب حتى وصلت إلى منصب إداري عالي في هذه الشركة
بلغت الأربعين، وها أنا بعد خمسة عشر عاما من العمل والجهد في هذا المكان وصلت أخيرا إلى الاستقرار الوظيفي الذي كنت أطمح إليه، وبات من حقي الآن أن أحصد ثمرة تعبي بحياة أكثر استقرارا.. أو هذا ما تخيلته.
لم يخطر ببالي يوما أنني، وبعد كل ما سبق، من الممكن أن أتعرض للتحرش ليس هذا فحسب، بل أنه قد يطيح بتعب كل تلك السنوات، إذ أكتب اليوم بدون اسم فليس ذلك خوفا، بل حماية لأشخاص حاليا غير مؤهلين بعد للمواجهة، والأهم حماية لسير العملية القانونية التي تجري.
التحرش!.. ذلك الأمر الذي كنت أظنه يحدث فقط مع الفتيات الصغيرات أو من تعانين من ظروف اجتماعية صعبة، أو على الأقل من لا زلن في بداية حياتهن،
أما امرأة مثلي فيستحيل أن تتعرض لشيء كهذا.. لكن ما حصل هو عكس ذلك.
اختبرت لمدة طويلة، محاولات متكررة للتحرش من مدير الشركة الجديد، الذي اعتقد بأنه بامتلاكه صلاحيات مطلقة، يستطيع الوصول لكل ما يريد.
محاولات ابتدأت بمحاولة الاستدراج بالمغريات المعروفة كالمال والسلطة، مرورا بمضايقات في العمل لم تفلح كثيرا باعتباري شخص ملتزم له خبرة طويلة في المجال وحريص جدا على الدقة في عمله، وانتهت أخيرا بالتلويح باختلاق مخالفات معينة بالعمل و اتهامي بها كنوع من الضغط.
كل ذلك كان متاحا له وكان ضمن صلاحياته كمدير، فيما لم أكن استطيع امتلاك أي دليل ملموس يدينه، رغم محاولاتي المتعددة.
في النهاية، وبعد مقاومة طويلة ومحاولات كثيرة فاشلة للإفلات مما يحدث بشكل دبلوماسي، اضطررت لترك العمل والاستقالة، بسبب خوفي من أن يتم إيذائي بشكل شخصي أو اتهامي زورا بأمور لم أفعلها، باعتباري كنت أشغل منصب حساس في الشركة يتضمن مسؤولية مالية و قانونية عالية.
فضلت الانسحاب على الخوض في حرب قذرة مع متحرش قذر، اخترت فقدان الوظيفة على فقدان الأمان الوظيفي، ولكن ليس قبل أن أواجه
لكن السؤال الذي بقي يلح علي طويلا، إذا كانت كل المؤهلات العلمية والخبرات الطويلة والمنصب والسن لم تستطع جميعها حمايتي من التعرض للتحرش، فما هو حال الفتيات الصغيرات؟، وكيف يمكن حمايتهن أو تجنيبهن الخوض في تجربة مماثلة قد لا يمتلكن الخبرة الكافية في الحياة للخروج منها بأمان؟.
الأمر الأهم إدراكي أن الشيء الذي قدم لي الحماية الحقيقية في النهاية هو تعليمي وخبرتي وسيرتي الذاتية الغنية، التي أعرف جيدا بأنها ستؤهلني لأجد فرص عمل أخرى جيدة، وربما أفضل مما كنت أشغله، ولكن حالتي ليست حالة عامة.
لهذا أرغب في أن أقدم نصيحة إلى جميع الفتيات: المتحرشون في بعض الأحيان ليسوا زعرانا في الشارع أو وحوش همجية، بل قد يكونون أشخاصا مهمين في مجتمعاتهم وهم ماكرون وأقوياء، ولكن يجب عليكن مواجهتهم، لنجاتكن الشخصية وأيضا لنجاة أخريات قد لا يمتلكن معلومات كافية أو فرص للمواجهة، وتذكرن أن بوسع أي منكن أن تنجو بنفسها بالعلم والاجتهاد والعمل.. فلا تستسلمن.