افعلي لا تفعلي.. حتى في كأس العالم
إنها قائمة بمهامك سيدتي حتى يتمتع زوجك بمتابعة المونديال
- لا تتصلي به أثناء المباراة
- لا تسأليه ما هو التسلل
- لا تسأليه أين رونالدو أو ميسي
- ابق خارج مجال رؤيته للمباراة الخ من الترهات التي تناولها كثيرون وتداولوها على السوشال ميديا، ستصدم بهذا المنشور ما لا يقل عن ثلاث مرات.
اليوم وحتى بعد بضعة أيام من انطلاق المونديال، وككل حدث رياضي يخرج “رجال الكرة” بقائمة تعليماتهم المعتادة ليشاهدوا كأس عالم خال من أسئلة النساء “الغبية” و”الساذجة”، وتدور هذه المنشورات على كل مواقع التواصل الاجتماعي تبدو بغرض الضحك والتسلية، وهي في المضمون والشكل تحمل في طياتها عنفاً لفظياً مبطناً للنساء.
صورة نمطية تعلب وتكدس جاهزة للاستهلاك الفوري في عقول البعض الذي لا يفوت أي فرصة لخطاب جندري بات مغرقاً في الاستهلاك كل يوم وفي كافة مجالات الحياة، ابتداءً من العمل إلى الحياة الشخصية وليس انتهاء بالهوايات، ومن بينها الرياضة، ولا جديد يذكر ولا قديم يعاد خلال كأس العالم الحالية، هي “الميمز” نفسها، والأشخاص نفسهم، وبعضهم وللمفارقة يعتبرون أنفسهم نسويين.
استفزتني هذه المنشورات ليس لأنها جندرية فحسب، بل لانعدام دقتها أيضاً، فاليوم نحن نعيش في عالم أكثر انفتاحاً، كما يفترض، ونخطو أكثر فأكثر باتجاه عالم يذيب الفجوات الجندرية على كل الأصعدة، كما يفترض.
من مكاني كامرأة متابعة وممارسة وشغوفة بالرياضة، ولا يخفى على أحد أيضاً أن الكثير من النساء مثلي أيضا، وقع مثل هذه المنشورات يكون كمن يلقي نكتة سخيفة لا تضحك ولا ذكاء فيها، إلا أن تكرارها هو الكارثة.
عانت النساء تاريخيا من شتى أنواع التمييز في مختلف المجالات، والرياضة بمختلف مفاصلها ليست استثناء، بل بوصفها استعراضاً بحتاً للقدرة الجسدية التي كانت حكرا على الرجال حتى فترات متأخرة من التاريخ.
واليوم يعاني العالم العربي من أزمة ليس فقط على مستوى الرياضة بمؤسساتها، بل بجمهورها أيضاً، حيث تظهر العديد من الدراسات الكمية ارتفاعاً كبيراً في عدد النساء من جماهير كرة القدم، والمشاهد التي نراها على الكاميرات من مدرجات الدوري الإنكليزي الممتاز ليست إلا مثالا على تواجد النساء الحقيقي والمتزايد الذي يحرك موجات من النكات التي لا تقل سخافة على سوشال ميديا العالم العربي من مثال: “مو حرام هي تزعل وفينيسيوس يفرح”، في إشارة طبعا الى جمال المشجعة الأجنبية في أن يراها مجرد مشجعة تقاسمه نفس الاهتمام، وإنما كالعادة مجرد جسد جميل وليست مشجعة أهلا للنقاش والمنافسة.
هل هي عقدة المستعمر مثلا؟ فما يجوز لامرأة أوروبية مثلا لا يجوز لامرأة عربية، أم أنها مجرد إسقاط آخر لقوالب ذكورية حيث أن المشجع العربي فشل أيضاً؟
وفي الدفاع عن أنفسهم قد يقول قائل بأنها ليست سوى نكتة أو مادة للفكاهة، وسيعيب علينا كالعادة “حساسيتنا المفرطة”، لكنني حين سألت أحدهم ألن يزعجك مثلا أن يقاطعك رجل لا يتابع الرياضة في خضم مباراة مهمة؟ وكانت إجابته الواضحة والبديهية بالطبع!! إذن لماذا توجه خطابك للنساء فقط؟ لماذا لا تزال تلقي في وجه النساء فقط قائمة المهام!
وليس علينا أن نذكر بأن هناك اليوم الكثير من النساء يحببن الرياضة ممارسة وتشجيعاً، ويحفظن تاريخ أنديتهن عن ظهر قلب يتحدثون بالتكتيكات، ولكنهن لا يواجهن دوما على صفحات وسائل الاجتماعي سوى بتعليقات من قبيل “ع المطبخ” أو يتعرضن لشتى أشكال التحرش الالكتروني.
هذا الخطاب ببساطة لم يعد مقبولاً حتى ولو على سبيل الفكاهة، هذه الخطابات التي تتعدد أوجهها وهدفها واحد وهو تكريس حالة معينة تخدم أحد الطرفين دون الآخر، وتحرم النساء من الكثير من الامتيازات وفرص العمل، وحتى من بضع ساعات من متعة مشاهدة لعبة كرة قدم، أو معاناة اللاعبات من فجوات هائلة في الأجور والرواتب، ولا يزال هذا مجالا للنضال النسوي حتى اليوم.
عند نشأة لعبة الكركيت، في القرن السادس عشر، كانت تمارس من قبل الرجال فقط، وكانت النساء تشاهد من على جانب الملعب وتعد الشاي للأبطال، لقد أصبحنا في 2022 ولا يزال ينُتظَر من النساء أن تعد الشاي بينما يشاهد زوجها المباراة!
بتول زين سليمان
طبيبة وناشطة سورية